يواجهن الفقر و«صحيفة السوابق» و«سخرية البعض» و«صديقات السوء»
العائدات إلى الجريمة..«سجن المجتمع» أكبر عقاب!
أبها، تحقيق- مريم الجابر
ظاهرة العودة للجريمة تعد مؤشراً على خطورة المجرم، وعدم فعالية أو مناسبة العقوبة التي تلقاها لردعه، كما تمثّل خطراً على أمن المجتمع ومصالحه، وتؤصل الإجرام في نفوس البعض، واكتسابهم سلوكاً إجرامياً متعدداً، ومحترفاً أحياناً، من خلال تكرار الفعل الإجرامي. وعلى الرغم من هذه النتائج تبدو محسومة تجاه الرجل، إلاّ أن مشكلة العودة إلى الجريمة عند النساء لا تزال بحاجة إلى المزيد من الدراسات العلمية، وحصر الأسباب، وحجم المعاناة، والظروف التي دعت إلى العودة من جديد إلى الجريمة.
"الرياض" تتناول في هذا التحقيق "سوابق السجينات"، والأسباب التي أدت إلى عودتهن إلى الجريمة مرة أخرى، وربما أكثر من مرة، إلى جانب أكثر القضايا التي تكون سبباً في العودة إلى السجن، ونظرة المجتمع القاسية، والحلول والمقترحات للتقليل من عودة المرأة إلى الجريمة.
د.أسماء: معظم المفرج عنهن في مدينتي الرياض وجدة عدن إلى السجن!
حجم الجريمة
كشفت نتائج دراسة اجتماعية حديثة أعدتها "د.أسماء التويجري" أن حوالي نصف السجينات في مدينتي الرياض وجدة دخلن إلى السجن؛ بسبب ارتكابهن جرائم أخلاقية، وأن غالبية السجينات عدن للجريمة بعد خروجهن من السجن في المرة الأولى.
كما أن العائدات للجريمة من مرتكبات الجرائم الأخلاقية يعدن لهذه الجريمة مرة واحدة بنسبة بلغت (56.2%)، في حين بلغت نسبة اللائي عدن لهذه الجريمة مرتين (24.7%)، وبلغت نسبة من عدن ثلاث مرات (13.7%)، بينما نجد أن نسبة من عدن لهذه الجريمة أربع مرات فأكثر لا تتجاوز (5.5%).
أما بالنسبة لجريمة السرقة وجريمة المسكرات والمخدرات وجريمة القتل والتزوير، فبالرغم من وجودها، إلا أنها ترتكب بشكل طفيف، إذا استثنينا جرائم المخدرات التي ترتفع قليلاً، فقد بلغت نسبتها (47.1%) للعائدات لهذه الجريمة مرتين، ونسبة (41.2%) للعائدات للجريمة مرة واحدة، وبنسبة (5.9%) للعائدات لهذه الجريمة ثلاث مرات.
وبينت الدراسة أن عدد السجينات السعوديات بلغ عام 1429ه (312) سجينة، فيما بلغ عدد السجينات غير السعوديات (2975)، وأن غالبية مرتكبات السلوك الإجرامي انحصرن في الفئة العمرية من (31-40) سنة، وأقل من (30) سنة. وغالبية عينة الدراسة من ذوات التعليم المنخفض (أمي-متوسط)، وغالبيتهن من المطلقات، وقد تم طلاقهن قبل السجن في المرة الأولى، كما أن غالبيتهن من العاطلات عن العمل، ومصدر دخولهن الشهري متدن ولا يتجاوز ال (1000) ريال شهرياً، ومن سكان الشقق والمنازل الشعبية.
نايلة: «الظروف حكمت» على السجينة السعودية..وتبقى أفضل من غيرها
ظروف اقتصادية
وأكدت "د.أسماء" على أن السجينات أفدن عند دخولهن السجن لأول مرة بأن هناك ظروفاً اقتصادية أدت إلى دخولهن السجن بعد ارتكاب الجريمة، وتمثّلت تلك الظروف بالفقر وعدم وجود دخل ثابت، في حين بررت غالبية العائدات للسجن للظروف الاقتصادية بالفقر الذي يعيق تقليد الآخرين فيما يملكون.
وقالت:"إن الدراسة كشفت أن نمط الجريمة الأولى بالنسبة لغير العائدات للجريمة كان هو الجرائم الأخلاقية بنسبة (47.2%)، في حين تنوعت أنماط الجرائم كالسرقة والمسكرات والقتل والتزوير بأعداد قليلة ومتباينة، وبالنسبة للعائدات للجريمة فغالبية نمط جريمتهن الجرائم الأخلاقية بنسبة (52.8%)، يلي ذلك المخدرات".
صحيفة السوابق
ورأت مديرة القسم النسائي بسجن أبها العام "نايلة عسيري" أن صحيفة السوابق تعتبر من أكثر الأمور المفزعة للسجينة، خاصة السعودية التي تخاف من تكرار السابقة، مشيرة إلى أن العودة إلى السجن تتفاوت من بيئة اجتماعية وأخرى، مؤكدة على أن سجن أبها لم يسجل عودة سجينة سعودية، وذلك لوجود العديد من البرامج التأهيلية التي تجعل السجينة تعمل بكل جهدها ألا تعود إلى السجن من جديد، ولكن هذا لا يعني أن السجون الأخرى في المناطق لا تعود إليها السجينة السعودية.
وقالت:"إن السجينة عندما تقضي مدة العقوبة في السجن تتم متابعتها من قبل الباحثة الاجتماعية، ويتم استيعابها من قبل المتخصصات في السجن، فيتم تحفيظ القرآن للسجينات، وتقديم المحاضرات التوعوية، والمشاركة في أعمال المشغل، وهي عبارة عن أعمال يدوية يتم تدريب السجينات عليها، إضافة إلى برامج الحاسب الآلي التي تؤهل السجينة إلى كسب رزقها بالحلال بعد الخروج من السجن، مشيرة إلى أن السجينة عندما تقضي محكوميتها تخرج لحياتها ولا تعود، خاصة السجينة السعودية أما السجينات من الجنسيات الأخرى واللاتي يتكرر دخولهن إلى السجن فغالباً ما يشعرن بالخوف من المرة الثانية أوالثالثة لدخولهن السجن التي يشعرن تجاهها بالخوف من تجربة لا تحمد عواقبها، وغالباً يتم ترحيل السجينة، إلاّ أن بعض السجينات، خاصة المتسلللات منهن يعدن عن طريق الجبال، وأفاجأ بعودة السجينة والقبض عليها بعد ترحيلها".
نظرة المجتمع
وأشارت إلى أن السجينة السعودية هي إنسانة من أسرة كريمة، ولكن الظروف هي التي توقعها في الخطأ، وتظل السجينة متخوفة من نظرة المجتمع وهي تعرف أنه إذا غفر لها الزلة الأولي، فلن يغفر لها الثانية، فلذلك تحرص على ألا تعود وتخاف من السمعة والتشهير، ولقد لاحظت دعم المجتمع للسجينة المفرج عنها ومساندته لها كما في قضية "سجينة الخميس" التي احتواها المجتمع وساندها، ويعتبر هذا العامل من أهم العوامل المساعدة والتي تضمن عدم عودة السجينة لارتكاب أي مخالفة.
عودة المفرج عنها إلى السجن تثير علامات استفهام حول مدى تقبل المجتمع لها..
سمعة السجينة
وأوضحت "صابرة مرزوق" من قسم الملاحظة في سجن أبها أن السجينة السعودية تخاف من تكرار دخولها السجن، وتخاف أيضاً على سمعتها، وتعرف أن المجتمع لن يرحمها عندما تعود لارتكاب الأخطاء. وقالت:"إن مجتمعنا مجتمع تسامح وإنسانية، وهو يعرف كيف يحتوي المرأة السجينة، ويقدّر ظروفها"، مبينة أن إدارة السجن قد اعتمدت برامج إرشادية توعوية دينية لضمان إصلاح السجينة ومتابعتها على مدار 14 ساعة داخل السجن، والعمل على تعديل سلوكها بالنصح والإرشاد والمحاضرات الدينية والتوعوية وبرامج تحفيظ القرآن، فمعظم السجينات حافظات للقرآن كاملاً.
ترميم مافات
بينما أشارت كل من "فاطمة الماجد" ملاحظ جندي و"صالحة المسعودي" جندي، و"رنا محمد" ملاحظة، أن السجينات السعوديات يخرجن من السجن وهن يدعين الله ويطلبن منه العفو، فتوبتهن نصوحة لأن دخول 90% منهن هو نتيجة لظروف نفسية وبيئية واجتماعية أجبرت كلاً منهن على دخول السجن، أو ارتكاب جريمة؛ ولذلك فإن السجينة بمجرد خروجها من السجن تحاول أن تعيش حياتها بشكل مستقر، وتحاول أن تعود إلى أسرتها وأطفالها وعائلتها، وأن تعمل بشرف لتدعم أسرتها، أو أن تقضي مع أسرتها باقي أيام حياتها في العمل على ترميم ما فات، وإحاطة أسرتها بسياج من الحب والعطف والاحتواء؛ لأنها تلجأ إلى الله، ثم إلى أسرتها والمجتمع لطلب الدعم، ومن هنا نحتاج إلى مساندة المجتمع وتغاضيه عن الزلات، ومحاولة إعطاء فرصة أخرى للمرأة في الحياة.
عوامل عديدة ومتشابكة
وأكدت من جديد "د.أسماء التويجري" على أن العائد للجريمة قد لا يعود إليها بسبب عامل واحد فقط، وإنما نتيجة تداخل عوامل عديدة ومتشابكة يصعب أحياناً الفصل بينها، ومن أهم هذه العوامل عدم تقبل المجتمع للمفرج عنهم ومعاملتهم بالنفور والإهمال؛ ونتيجة لهذه العزلة والإهمال والنفور والصعوبة في الاندماج مع المجتمع يعود إلى الجريمة مرة أخرى.
وقالت:"تظهر مظاهر عدم تقبل المجتمع للمفرج عنهم من المؤسسات الإصلاحية من خلال صحيفة السوابق، فالمتهم بعد انتهاء فترة محكوميته ينال مزيداً من العقاب بعد خروجه من السجن، فيحرم من العمل المناسب، والحياة الكريمة بالرغم من تكفيره عن خطئه، وعدم تقبل مصاهرة المفرج عنهم، وصداقتهم، ولا يتوقف الأمر على الرفض المجتمعي فقط، وإنما يسهم الرفض الحكومي في ممارسة هذا الدور، ومن مظاهر الرفض عدم تقبل المجتمع للمفرج عنهم كشركاء عمل أو تجارة، وأيضاً من العوامل المساعدة للعودة للجريمة اختلاط المجرم بجماعات إجرامية أو أفرادية من المجرمين، والتفكك الأسري، والأوضاع الاقتصادية المتدنية التي تدفع للجريمة، كما يرتبط بظاهرة الجريمة مفهوم البطالة".
تفكك أسري
وأضافت أنه اتضح من خلال الدراسة أن غالبية والدي عينة الدراسة متوفون، والتفكك الأسري كان سبباً مباشراً في الوقوع في الجريمة، كما تبيّن أن غالبية أفراد العينة من المطلقات، وبالتالي حينما يعدن إلى بيت والديهن ينعدم وجود الحسيب والرقيب والموجه الذي يُعتمد عليه في الأسرة بسبب وفاة الوالدين، وبالتالي انعدمت القيم والأعراف السائدة لديهن، مما قادهن إلى الانحراف وارتكاب الجرائم.
واشارت إلى أن الدراسة كشفت أن مرتكبات السلوك الإجرامي من العائدات وغير العائدات يتميزن بقلة عدد الإخوان الذكور، كما يعشن في أسرة ليست بالكبيرة الحجم، سواء حسب عدد الإخوة الذكور أو عدد الأخوات الإناث، ويقع ترتيبهن بين إخوتهن من الإناث والذكور في الترتيب الأول والثاني والثالث.
صديقات السوء
وقالت "د.أسماء" إن الظروف الاجتماعية التي تؤدي لارتكاب الجريمة تتنوع ما بين أصدقاء السوء، والمخدرات، وإهمال الوالدين، والفراغ، وكثرة خلافات الوالدين، ووفاة أحد الوالدين، والحرمان العاطفي، والهروب من الأسرة؛ بسبب العنف، وأسباب أخرى، مشيرة إلى أن غالبية السجينات أفدن أن صديقات السوء هن السبب الرئيس في ارتكاب الجرائم، وبلغت نسبة ذلك (26.9%) بالنسبة لغير العائدات للجريمة و(16.4%) بالنسبة للعائدات للجريمة، يلي ذلك مباشرة الحرمان العاطفي، موضحة أن هناك تبايناً في الظروف الاقتصادية التي أدت لارتكاب الجريمة، مثل عدم وجود دخل ثابت وعدم كفاية الدخل المادي، والأعباء الأسرية، والفقر والبطالة، وحب تقليد الآخرين فيما يملكون، والديون، كما أفادت السجينات لأول مرة بأن هناك ظروفاً اقتصاديةً أخرى قادت إلى دخولهن للسجن بعد ارتكاب الجريمة، وتمثلت تلك الظروف في الفقر وعدم وجود دخل ثابت بنسبة (11.7%) و(8.6%) على التوالي، في حين بررت غالبية العائدات للسجن الظروف الاقتصادية بالفقر الذي يعيق تقليد الآخرين فيما يملكون، وتأثير الظروف الاقتصادية على العائدات للجريمة كان أكبر مقارنة بغير العائدات.
مشاكل متراكمة
وأضافت:"كشفت السجينات أن من الأسباب التي دفعتهن لارتكاب السلوك الإجرامي مرة أخرى بعد تلقيهن العقوبة التأديبية والإصلاحية، استمرار المشكلات الأسرية الناجمة عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة، وعدم زوال المشكلات السابقة المتراكمة التي أدت للسجن في المرة الأولى، كما أن السجن ومخالطة السجينات "صديقات السوء" أسهم بدرجة كبيرة في العودة للجريمة.
خريجات سجون!!
وأشارت إلى أن من بين الأسباب التي أظهرتها الدراسة هي نظرة المجتمع لمرتكبات الجريمة بأنهن "خريجات سجون"، حيث ساهمت هذه النظرة في العودة للجريمة مرة أخرى، والشعور بالظلم والقهر، إلى جانب استمرار المشكلات الاقتصادية، ومجاراة الصديقات وتقليدهن، مؤكدة على أن تأثير الظروف الاجتماعية على العائدات للجريمة أكبر من غير العائدات لها، كما أن تأثير الظروف الاقتصادية كان أكبر تأثيراً من الظروف الاجتماعية.
خدمات مهنية
وأكدت "د.أسماء" أن من أهم الاقتراحات التي يمكن أن تسهم في التخفيف أو الحد من الجرائم لأول مرة أو للعائدات له، هو توفير خدمات مهنية داخل المؤسسات الإصلاحية لتعليم السجينات مهنة تساعدهن في حياتهن لتكون مصدر رزق لهن بعد الخروج من السجن، وتفعيل هذه المهن كماً ونوعاً عن طريق مكتب متخصص لتوظيف السجينات.
العائدات إلى الجريمة..«سجن المجتمع» أكبر عقاب!
أبها، تحقيق- مريم الجابر
ظاهرة العودة للجريمة تعد مؤشراً على خطورة المجرم، وعدم فعالية أو مناسبة العقوبة التي تلقاها لردعه، كما تمثّل خطراً على أمن المجتمع ومصالحه، وتؤصل الإجرام في نفوس البعض، واكتسابهم سلوكاً إجرامياً متعدداً، ومحترفاً أحياناً، من خلال تكرار الفعل الإجرامي. وعلى الرغم من هذه النتائج تبدو محسومة تجاه الرجل، إلاّ أن مشكلة العودة إلى الجريمة عند النساء لا تزال بحاجة إلى المزيد من الدراسات العلمية، وحصر الأسباب، وحجم المعاناة، والظروف التي دعت إلى العودة من جديد إلى الجريمة.
"الرياض" تتناول في هذا التحقيق "سوابق السجينات"، والأسباب التي أدت إلى عودتهن إلى الجريمة مرة أخرى، وربما أكثر من مرة، إلى جانب أكثر القضايا التي تكون سبباً في العودة إلى السجن، ونظرة المجتمع القاسية، والحلول والمقترحات للتقليل من عودة المرأة إلى الجريمة.
د.أسماء: معظم المفرج عنهن في مدينتي الرياض وجدة عدن إلى السجن!
حجم الجريمة
كشفت نتائج دراسة اجتماعية حديثة أعدتها "د.أسماء التويجري" أن حوالي نصف السجينات في مدينتي الرياض وجدة دخلن إلى السجن؛ بسبب ارتكابهن جرائم أخلاقية، وأن غالبية السجينات عدن للجريمة بعد خروجهن من السجن في المرة الأولى.
كما أن العائدات للجريمة من مرتكبات الجرائم الأخلاقية يعدن لهذه الجريمة مرة واحدة بنسبة بلغت (56.2%)، في حين بلغت نسبة اللائي عدن لهذه الجريمة مرتين (24.7%)، وبلغت نسبة من عدن ثلاث مرات (13.7%)، بينما نجد أن نسبة من عدن لهذه الجريمة أربع مرات فأكثر لا تتجاوز (5.5%).
أما بالنسبة لجريمة السرقة وجريمة المسكرات والمخدرات وجريمة القتل والتزوير، فبالرغم من وجودها، إلا أنها ترتكب بشكل طفيف، إذا استثنينا جرائم المخدرات التي ترتفع قليلاً، فقد بلغت نسبتها (47.1%) للعائدات لهذه الجريمة مرتين، ونسبة (41.2%) للعائدات للجريمة مرة واحدة، وبنسبة (5.9%) للعائدات لهذه الجريمة ثلاث مرات.
وبينت الدراسة أن عدد السجينات السعوديات بلغ عام 1429ه (312) سجينة، فيما بلغ عدد السجينات غير السعوديات (2975)، وأن غالبية مرتكبات السلوك الإجرامي انحصرن في الفئة العمرية من (31-40) سنة، وأقل من (30) سنة. وغالبية عينة الدراسة من ذوات التعليم المنخفض (أمي-متوسط)، وغالبيتهن من المطلقات، وقد تم طلاقهن قبل السجن في المرة الأولى، كما أن غالبيتهن من العاطلات عن العمل، ومصدر دخولهن الشهري متدن ولا يتجاوز ال (1000) ريال شهرياً، ومن سكان الشقق والمنازل الشعبية.
نايلة: «الظروف حكمت» على السجينة السعودية..وتبقى أفضل من غيرها
ظروف اقتصادية
وأكدت "د.أسماء" على أن السجينات أفدن عند دخولهن السجن لأول مرة بأن هناك ظروفاً اقتصادية أدت إلى دخولهن السجن بعد ارتكاب الجريمة، وتمثّلت تلك الظروف بالفقر وعدم وجود دخل ثابت، في حين بررت غالبية العائدات للسجن للظروف الاقتصادية بالفقر الذي يعيق تقليد الآخرين فيما يملكون.
وقالت:"إن الدراسة كشفت أن نمط الجريمة الأولى بالنسبة لغير العائدات للجريمة كان هو الجرائم الأخلاقية بنسبة (47.2%)، في حين تنوعت أنماط الجرائم كالسرقة والمسكرات والقتل والتزوير بأعداد قليلة ومتباينة، وبالنسبة للعائدات للجريمة فغالبية نمط جريمتهن الجرائم الأخلاقية بنسبة (52.8%)، يلي ذلك المخدرات".
صحيفة السوابق
ورأت مديرة القسم النسائي بسجن أبها العام "نايلة عسيري" أن صحيفة السوابق تعتبر من أكثر الأمور المفزعة للسجينة، خاصة السعودية التي تخاف من تكرار السابقة، مشيرة إلى أن العودة إلى السجن تتفاوت من بيئة اجتماعية وأخرى، مؤكدة على أن سجن أبها لم يسجل عودة سجينة سعودية، وذلك لوجود العديد من البرامج التأهيلية التي تجعل السجينة تعمل بكل جهدها ألا تعود إلى السجن من جديد، ولكن هذا لا يعني أن السجون الأخرى في المناطق لا تعود إليها السجينة السعودية.
وقالت:"إن السجينة عندما تقضي مدة العقوبة في السجن تتم متابعتها من قبل الباحثة الاجتماعية، ويتم استيعابها من قبل المتخصصات في السجن، فيتم تحفيظ القرآن للسجينات، وتقديم المحاضرات التوعوية، والمشاركة في أعمال المشغل، وهي عبارة عن أعمال يدوية يتم تدريب السجينات عليها، إضافة إلى برامج الحاسب الآلي التي تؤهل السجينة إلى كسب رزقها بالحلال بعد الخروج من السجن، مشيرة إلى أن السجينة عندما تقضي محكوميتها تخرج لحياتها ولا تعود، خاصة السجينة السعودية أما السجينات من الجنسيات الأخرى واللاتي يتكرر دخولهن إلى السجن فغالباً ما يشعرن بالخوف من المرة الثانية أوالثالثة لدخولهن السجن التي يشعرن تجاهها بالخوف من تجربة لا تحمد عواقبها، وغالباً يتم ترحيل السجينة، إلاّ أن بعض السجينات، خاصة المتسلللات منهن يعدن عن طريق الجبال، وأفاجأ بعودة السجينة والقبض عليها بعد ترحيلها".
نظرة المجتمع
وأشارت إلى أن السجينة السعودية هي إنسانة من أسرة كريمة، ولكن الظروف هي التي توقعها في الخطأ، وتظل السجينة متخوفة من نظرة المجتمع وهي تعرف أنه إذا غفر لها الزلة الأولي، فلن يغفر لها الثانية، فلذلك تحرص على ألا تعود وتخاف من السمعة والتشهير، ولقد لاحظت دعم المجتمع للسجينة المفرج عنها ومساندته لها كما في قضية "سجينة الخميس" التي احتواها المجتمع وساندها، ويعتبر هذا العامل من أهم العوامل المساعدة والتي تضمن عدم عودة السجينة لارتكاب أي مخالفة.
عودة المفرج عنها إلى السجن تثير علامات استفهام حول مدى تقبل المجتمع لها..
سمعة السجينة
وأوضحت "صابرة مرزوق" من قسم الملاحظة في سجن أبها أن السجينة السعودية تخاف من تكرار دخولها السجن، وتخاف أيضاً على سمعتها، وتعرف أن المجتمع لن يرحمها عندما تعود لارتكاب الأخطاء. وقالت:"إن مجتمعنا مجتمع تسامح وإنسانية، وهو يعرف كيف يحتوي المرأة السجينة، ويقدّر ظروفها"، مبينة أن إدارة السجن قد اعتمدت برامج إرشادية توعوية دينية لضمان إصلاح السجينة ومتابعتها على مدار 14 ساعة داخل السجن، والعمل على تعديل سلوكها بالنصح والإرشاد والمحاضرات الدينية والتوعوية وبرامج تحفيظ القرآن، فمعظم السجينات حافظات للقرآن كاملاً.
ترميم مافات
بينما أشارت كل من "فاطمة الماجد" ملاحظ جندي و"صالحة المسعودي" جندي، و"رنا محمد" ملاحظة، أن السجينات السعوديات يخرجن من السجن وهن يدعين الله ويطلبن منه العفو، فتوبتهن نصوحة لأن دخول 90% منهن هو نتيجة لظروف نفسية وبيئية واجتماعية أجبرت كلاً منهن على دخول السجن، أو ارتكاب جريمة؛ ولذلك فإن السجينة بمجرد خروجها من السجن تحاول أن تعيش حياتها بشكل مستقر، وتحاول أن تعود إلى أسرتها وأطفالها وعائلتها، وأن تعمل بشرف لتدعم أسرتها، أو أن تقضي مع أسرتها باقي أيام حياتها في العمل على ترميم ما فات، وإحاطة أسرتها بسياج من الحب والعطف والاحتواء؛ لأنها تلجأ إلى الله، ثم إلى أسرتها والمجتمع لطلب الدعم، ومن هنا نحتاج إلى مساندة المجتمع وتغاضيه عن الزلات، ومحاولة إعطاء فرصة أخرى للمرأة في الحياة.
عوامل عديدة ومتشابكة
وأكدت من جديد "د.أسماء التويجري" على أن العائد للجريمة قد لا يعود إليها بسبب عامل واحد فقط، وإنما نتيجة تداخل عوامل عديدة ومتشابكة يصعب أحياناً الفصل بينها، ومن أهم هذه العوامل عدم تقبل المجتمع للمفرج عنهم ومعاملتهم بالنفور والإهمال؛ ونتيجة لهذه العزلة والإهمال والنفور والصعوبة في الاندماج مع المجتمع يعود إلى الجريمة مرة أخرى.
وقالت:"تظهر مظاهر عدم تقبل المجتمع للمفرج عنهم من المؤسسات الإصلاحية من خلال صحيفة السوابق، فالمتهم بعد انتهاء فترة محكوميته ينال مزيداً من العقاب بعد خروجه من السجن، فيحرم من العمل المناسب، والحياة الكريمة بالرغم من تكفيره عن خطئه، وعدم تقبل مصاهرة المفرج عنهم، وصداقتهم، ولا يتوقف الأمر على الرفض المجتمعي فقط، وإنما يسهم الرفض الحكومي في ممارسة هذا الدور، ومن مظاهر الرفض عدم تقبل المجتمع للمفرج عنهم كشركاء عمل أو تجارة، وأيضاً من العوامل المساعدة للعودة للجريمة اختلاط المجرم بجماعات إجرامية أو أفرادية من المجرمين، والتفكك الأسري، والأوضاع الاقتصادية المتدنية التي تدفع للجريمة، كما يرتبط بظاهرة الجريمة مفهوم البطالة".
تفكك أسري
وأضافت أنه اتضح من خلال الدراسة أن غالبية والدي عينة الدراسة متوفون، والتفكك الأسري كان سبباً مباشراً في الوقوع في الجريمة، كما تبيّن أن غالبية أفراد العينة من المطلقات، وبالتالي حينما يعدن إلى بيت والديهن ينعدم وجود الحسيب والرقيب والموجه الذي يُعتمد عليه في الأسرة بسبب وفاة الوالدين، وبالتالي انعدمت القيم والأعراف السائدة لديهن، مما قادهن إلى الانحراف وارتكاب الجرائم.
واشارت إلى أن الدراسة كشفت أن مرتكبات السلوك الإجرامي من العائدات وغير العائدات يتميزن بقلة عدد الإخوان الذكور، كما يعشن في أسرة ليست بالكبيرة الحجم، سواء حسب عدد الإخوة الذكور أو عدد الأخوات الإناث، ويقع ترتيبهن بين إخوتهن من الإناث والذكور في الترتيب الأول والثاني والثالث.
صديقات السوء
وقالت "د.أسماء" إن الظروف الاجتماعية التي تؤدي لارتكاب الجريمة تتنوع ما بين أصدقاء السوء، والمخدرات، وإهمال الوالدين، والفراغ، وكثرة خلافات الوالدين، ووفاة أحد الوالدين، والحرمان العاطفي، والهروب من الأسرة؛ بسبب العنف، وأسباب أخرى، مشيرة إلى أن غالبية السجينات أفدن أن صديقات السوء هن السبب الرئيس في ارتكاب الجرائم، وبلغت نسبة ذلك (26.9%) بالنسبة لغير العائدات للجريمة و(16.4%) بالنسبة للعائدات للجريمة، يلي ذلك مباشرة الحرمان العاطفي، موضحة أن هناك تبايناً في الظروف الاقتصادية التي أدت لارتكاب الجريمة، مثل عدم وجود دخل ثابت وعدم كفاية الدخل المادي، والأعباء الأسرية، والفقر والبطالة، وحب تقليد الآخرين فيما يملكون، والديون، كما أفادت السجينات لأول مرة بأن هناك ظروفاً اقتصاديةً أخرى قادت إلى دخولهن للسجن بعد ارتكاب الجريمة، وتمثلت تلك الظروف في الفقر وعدم وجود دخل ثابت بنسبة (11.7%) و(8.6%) على التوالي، في حين بررت غالبية العائدات للسجن الظروف الاقتصادية بالفقر الذي يعيق تقليد الآخرين فيما يملكون، وتأثير الظروف الاقتصادية على العائدات للجريمة كان أكبر مقارنة بغير العائدات.
مشاكل متراكمة
وأضافت:"كشفت السجينات أن من الأسباب التي دفعتهن لارتكاب السلوك الإجرامي مرة أخرى بعد تلقيهن العقوبة التأديبية والإصلاحية، استمرار المشكلات الأسرية الناجمة عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية السيئة، وعدم زوال المشكلات السابقة المتراكمة التي أدت للسجن في المرة الأولى، كما أن السجن ومخالطة السجينات "صديقات السوء" أسهم بدرجة كبيرة في العودة للجريمة.
خريجات سجون!!
وأشارت إلى أن من بين الأسباب التي أظهرتها الدراسة هي نظرة المجتمع لمرتكبات الجريمة بأنهن "خريجات سجون"، حيث ساهمت هذه النظرة في العودة للجريمة مرة أخرى، والشعور بالظلم والقهر، إلى جانب استمرار المشكلات الاقتصادية، ومجاراة الصديقات وتقليدهن، مؤكدة على أن تأثير الظروف الاجتماعية على العائدات للجريمة أكبر من غير العائدات لها، كما أن تأثير الظروف الاقتصادية كان أكبر تأثيراً من الظروف الاجتماعية.
خدمات مهنية
وأكدت "د.أسماء" أن من أهم الاقتراحات التي يمكن أن تسهم في التخفيف أو الحد من الجرائم لأول مرة أو للعائدات له، هو توفير خدمات مهنية داخل المؤسسات الإصلاحية لتعليم السجينات مهنة تساعدهن في حياتهن لتكون مصدر رزق لهن بعد الخروج من السجن، وتفعيل هذه المهن كماً ونوعاً عن طريق مكتب متخصص لتوظيف السجينات.